من الحياة- رام الله
عندما اقيمت " خربة رام الله " في اواسط القرن السادس عشر، قبل ان تصبح مدينة كبيرة ومكتظة ومملة من كثرة السابلة والسيارات والضوضاء التي تجلب لنا تعب القلب، لم يخطر في بال راشد الحدادين الذي قدم من صحراء الاردن ليؤسس المدينة انها ستصبح يوما من الايام من اجمل المدن، انيقة ومرموقة ويطلق عليها عروس المصايف ويؤمها الناس من كل حدب وصوب، من المحيط الى الخليج، ولم يكن يعلم انها ستصبح يوما ما تحت رحمة المقاولين ليعيثوا فيها بناء عشوائيا، على حساب الطبيعة الخلابة وكروم التين والعنب والمشمش والتفاح فيخبو عبيرها الاخاذ وتتلاشى نضارتها التي كانت.
رحم الله ايام زمان فاجمل المدن واكثرها اناقة وجاذبية، اصبحت بمرور الزمن نقطة اجتذاب، فقل عدد سكانها الاصليين نتيجة الهجرة للخارج بحثا عن مصادر الرزق، وتزاحم الوافدون من بقية مدن الضفة اليها واقيمت فيها مقار مؤسسات السلطة ومراكزها ووزاراتها والبعثات الدبلوماسية والمؤسسات الاجنبية والمنظمات غير الحكومية لتصبح العاصمة المؤقتة فاصيبت بالتخمة البشرية والتلبك السكاني.
هذا التهافت على الاقامة بالمدينة اعتمادا على سمعتها الطيبة ومستقبلها الزاهر كان سببا في ارتباك خدمات ومهام البلدية والمحافظة بما في ذلك تقديم الخدمات الاساسية كالماء والكهرباء وتجديد وتأهيل البنية التحتية، ولهذا كان لا بد من ان تصاب المدينة بالضمور وتفقد نضارتها التي لازمتها طوال عمرها، فقد كانت شوارعها ودوار المنارة وميدان الساعة او المغتربين والفنادق والمتنزهات في شارع الاذاعة، والبلد القديمة من اجمل ما يكون، ثم فجأة حط الناس كالنحل فانكتمت انفاسها وانطفأ بريقها وذوت اناقتها ففقدت شبابها بين اكوام الحجارة والعمارات ذات الطابع التجاري.
لهذا إذاً، تبدو المدينة في احتفالاتها المئوية هرمة قبل الاوان فالغبار يملأ الافق كلما تغيب الشمس وحين تشرق شمس الصباح، ما يجعلنا نخالف نواميس الطبيعة ونتمنى لو اننا نعود الى الزمن الجميل حين كانت الدنيا اصغر من آمالنا وتطلعاتنا قبل ان تصبح كبيرة فتذوب آمالنا في همومها الى حد التلاشي.