في كتابه الذي اعجبنيDumbing Us Down بمعنى "جعلنا أغبياء" للمؤلف المعلم جون تايلر جاتو وفي المقدمة التي يتحدث فيها المؤلف عن نفسه يذكر انه خلال الثلاثين عاما التي قضاها معلما جعل فصله الدراسي كمعمل يستطيع فيه التعرف على الامكانات البشرية والكتالوج الكامل – بتعبيره- لآمال الطلاب ومخاوفهم. كما انه جعله مكانا يدرس فيه ما يُعيق وما يحرر الطاقة الانسانية. ويعترف المعلمُ او المؤلفُ بانه خلال السنوات الثلاثين تبين له ان العبقرية سمة انسانية مشتركة على عكس ما تعلمه في جامعتين للنخبة في الولايات المتحدة من ان الذكاء والموهبة توزعتا بين الناس إقتصاديا بشكل منحنى الجرس فأخذ القلة منهما بحظ وافر وحُرمت قلة أخرى منهما وبين الاثنين أكثرية الناس - واسميهم انا من باب الدعابة والتهكم ذوي الدخل المحدود -الذين أصابهم من الحظ من النعمتين ما لا يصل الى مستوى النخبة ولا يهبط الى مستوى القلة المحرومة . يقول:" المشكلة هي ان الاطفال الذين لا يُرجى منهم الذكاء والموهبة وفق مقاييس معينة ظلوا يثبتون لي العكس وفق معايير التفوق الانساني كالبصيرة والحكمة والعدالة والثراء الداخلي والشجاعة والرؤية الجديدة للأمور لدرجة أصبحتُ فيها حائرا. "
ما الذي حيره ؟ الذي حيره هو ان الطلاب هؤلاء جعلوه يتساءل عما إذا كان وجودهم في المدرسة هو الذي جعلهم أغبياء؟ يقول:" هل من الممكن انني وُظفت لا لأزيد من قدرات الاطفال بل لأنقصها؟وقد بدت هذه الفكرة مجنونة ولكني وببطئ بدأت أدرك ان الأجراس والحجز(يقصد في الفصول) وتسلسل الحصص المجنون والتمييز بين الطلاب وفقدان الخصوصية لدى الطالب والمراقبة المستمرة وكل ما تبقى من المنهج الوطني للمدرسة صُممت تماما كما لو ان شخصا يريد ان يمنع الطلابَ من التفكير والعمل وان يقودهم مخدوعين الى مسلك الادمان( ويقصد بالإدمان هنا إدمان الاستهلاك) والاعتماد على الاخرين"
ويذكر المؤلف انه بدأ رويدا رويدا بوضع تمارين تتيح للطلاب المادة الخام التي استخدمها الناسُ لتعليم انفسهم: الخصوصية والاختيار والتحرر من المراقبة واصبح يحاول نقلهم الى مواقع تُتاح لاحدهم فيها فرصة ان يعلم نفسه وان يكون هو الكتاب الذي يتعلم منه.
ثم يقول"التعليمُ لا يشبه فن الرسم حيث يتم اظهار الصورة باضافة مواد معينة بل أشبه بفن النحت حيث يتم تحرير الصورة المحبوسة في الصخر بحذف مواد معينة..." بمعنى آخر تخلى المؤلف عن كونه الخبير الذي لا بد ان يملأ رؤوس طلابه بحكمته واصبح يجتهد في إزالة ما يعيق عبقرية الاطفال من الظهور والتعبير عن نفسها.
ويذكر المؤلف بان النجاح يقتضي ان نسمح للطلاب بالوقوع في الخطأ والمحاولة ثانية والا فانهم لن يتمكنوا من قيادة انفسهم مع ان الواحد منهم قد يظهر لنا ذا كفاءة لانه يحفظ معلومات محددة ويقلد اداء غيره كما ان النجاحَ في رأيه يشمل تحد لفرضيات كثيرة مريحة لكثير من الناس عن ما الذي يستحق ان يتعلمه الطالب وما الذي يشكل حياة طيبة.
ذكرت في رسالتي الأولى ان المؤلف جعل من فصله معملا يكتشف فيه طلابه وما يعيقهم وما يطلق طاقاتهم وموضوع اكتشاف ومعرفة الطلاب موضوع مهم أرى أنّ على المعلم ان يقوم به ويهتم به وقد أعجبتني عدة اقوال في عدة كتب أود أن أنقلها وهي في موضوع معرفة الطلاب واكتشافهم من قبل المعلم وأبدأ بهذا الذي يحكي قصته:
• يقول ريتشارد وندرمان وهو من الذين صنفته مدرسته تحت عنوان "صعوبات تعلم" . والمهم أنه بعد المدرسة درس في الجامعة التصميم بالكمبيوتر ويرى أن تصنيفه تحت "صعوبات تعلم " أفاده كثيرا.كيف؟؟؟
أعطاه حجة يبرر بها عدم قدرته على تعلم القراءة والكتابة وبالتالي كان يحتجّ بذلك كلما تحدث أحدُ المحيطين به عن تأخره في القراءة والكتابة.
يقول:" لعل ما نسميه صعوبات تعلم هو في حقيقته ردّ فعل الطالب لطريقة التعليم السائدة في المدارس. لعل التعلم يكون أسهلَ لو لم نكن ننشد المثالية وسمحنا لأنفسنا بالتعلم بشكل طبيعي "
يقول:"لعل التعلم عملية طبيعية وليست قسرية...."
وقد لاحظ المتحدث أنه تعلم وأنجز الكثير منذ أن ترك المدرسة يقول:" وهذا دليل على الفكرة التي تقول بأن مشاكل التعلم نتيجة ردّ فعل أكثر من كونه اختلاف في الجهاز العصبي. لعل الوقوع في الأخطاء التي نتعلم تجنبها جزء رئيسي من عملية التعلم. ولعل ثقافتنا التي تحرص على تجنب الأخطاء ستضمحل.لماذا؟ لنقص الأفكار الجديدة وعدم القدرة على التكيف مع الجديد. لعل ما نسميه أسبابا عصبية لصعوبات التعلم هو تطور لخصائص جديدة في شريحة من بني الإنسان تتمردُ هذه الشريحة على التيار السائد لتحمي جزءا من الطبيعة الإنسانية التي يتم تدميرها ببطء وأعني تدمير الاستمتاع بالعلم والإبداع"
insult to intelligence by frank smith
ثم أنتقل إلى معلمة اسمها كارن جالاس وكتابها اترجم عنوانه:لغات التعلم، كيف يتكلم ويكتب ويرقص ويرسم ويغني الأطفالُ فهمهم للعالم.
تذكر كيف أصبحت تبدأ عامها الدراسي مع طلابها بلا أنماط مسبقة أو أحكام جاهزة او قواعد للتعامل مع طلابها ، تبدأ بنوع من الفوضى الذهنية :
• "والفوضى التي تدركها –المعلمة- تعكس حالتها الذهنية أكثر مما تعكس منطق أحداث الفصل
وهذا يشبه عملية الرؤية الواضحة وعقل المبتدئ حيث يدخل الشخصُ إلى تدفق الأحداث بحالة اللانظام والانفتاح بدلا من حالة النظام والروتين المألوفة بمعنى آخر ينظر المعلم إلى الفصل الدراسي بخياله وبدون تصورات مسبقة تَحدّ من قدرته على الفهم بدلا من توسيع هذه القدرة
بل إن المعلم عندما يسمح أحيانا لحدث غير مستقر أن يتطور ويتفتح بدون تدخل منه ويسمح للأطفال أن يتحدثوا عن قصصهم والمعاني التي تدور في أخلادهم، فانه يصل إلى فهم جديد"
The Languages of Learning by Karen Gallas
ونكمل المسيرة مع المؤلفة نفسها:
• لقد علمت الآن..............أنّ ما كنت احتاجه كطفلة في المدرسة هو معلمة كانت تود الاستماع إلى صوتي وأفكاري والكلمات التي كانت حاضرة ولكني لم انطقها. معلمة كانت ترغب في أن تعطيني الدعمَ والأمانَ وأن تتيحَ لي مساحة لصوتي ومعلمة كانت تطلب الاستماع إلى أفكاري بصوت مرتفع ومعلمة إذا طلبت مني التحدث بلا خوف ولا إصدار حكم فيّ، لثمنت صوتي فقط لأنه صوتي لا لأنه يحمل الاجابة الصحيحة"
Karen Gallas / The Languages of Learning
وهذا معلم آخر ألف كتابا لطيفا ترجمة عنوانه 36 طفل يقول:
• "كل طفل في كل عام جديد هو من ناحية الاستعداد أشياء كثيرة إلا أن الشهادة لا توثق إلا شيئا واحدا."
"أنا مقتنع بان على المعلم أن يكون مراقبا لفصلة بالإضافة لكونه عضوا في الفصل. لا بد من أن ينظر إلى الاطفال ويكتشف كيف يتواصل احدُهما بالآخر وبالبيئة المحيطة به أي الفصل ولا بد من وجود وقت كاف وأنشطة كافية ليتمكن المعلم من اكتشاف ما يفضله الطلابُ كبشر. وملاحظة الطلاب أثناء لعبهم ومشاغبتهم مصدر قيّم لمعرفتهم ،معرفة القادة والمجموعات والمخاوف والشجاعة والدفء والعزلة .إن المعلمين يعتبرون وقت الرياضة و فسحة الطلاب فسحة لهم-أي المعلمين- وبالتالي يديرون ظهورهم للأطفال عندما تكون الفرصة متاحة لتعلم الكثير عنهم"
"بدون تعلم مراقبة الاطفال وبالتالي معرفة شيء عن الذين سيعيش المعلمُ معهم 5 ساعات في اليوم ،فان المعلمَ يستخدم مع طلابه الروتين والأنماط المألوفة ليحمي نفسه. فالفصلُ ماصات مرتبة والوقت يُلاحظ بدقة والمادة تتلو المادة وكل هذا على حساب التنوع والإبداع الإنساني"
ويذكر المؤلف بان المعلم لا يعرف طلابه إلا في الفصل وهو-اي المعلم- هناك عنصر مهم، ولكن الطلاب بعد ذهاب المعلم يفضلون أمورا كبشر لا يفضلونها كطلاب.
36 Children by Herbert Kohl
وهذا جون هولت المعلم والمؤلف يقول كلاما قيّما:
يحكي جون هولت في كتابه الرائع(بالنسبة لي)"كيف يخفق الأطفال"أنه في عام 1959 شاهد رجلا هو د. جاتيجنوGattegno يقوم بتجربة مثيرة في مدرسة Lesley-Ellis . تمّ اختيار مجموعة طلاب مصابين بتخلف عقلي شديد تتراوح أعمارهم بين 15-16 سنة. استخدم معهم أعوادا خشبية لها ألوان معينة وأطوال محددة فكان مثلا يضع أمامهم عودين أزرقين طول الواحد منهما 9 سم ويضع بينهما عودا أخضر طوله 6 سم ويطلب منهم محاكاته ثم يطلب منهم أن يبحثوا عن العود الذي يملأ الفراغ المتبقي أي 3 سم. وكان المؤلف- أي جون هولت - يركز على أحد الطلاب فقط لأنه لفت انتباهه لسبب ما.وبعد محاولات عدة نجح الفتى في أداء ما طُلب منه.
ثم قام الدكتور بعد ذلك بإزالة العود الأخضر ( 6 سم) وأبقى الأعواد الأخرى وقلب الأعواد رأسا على عقِب وطلب منهم محاكاتِه ثم طلب منهم أن يبحثوا عن العود الذي يملأ الفراغ وهو نفس الذي أزاله.هل اختاروا الذي سقط لتوه مباشرة؟ لا. إنما بدؤوا رحلة المحاولة والتجربة إلى أن وجدوه ووضعوه.
ثم أسقط العود ذي ال3 سم ثانية وقلب الأعواد وطلب منهم ما طلبه أول مرة. ومرة أخرى وبعد تجارب ومحاولات وأخطاء فعلوا المطلوب.
أعاد الدكتورُ الأمرَ نفسَه عدة مرات إلى أن تمكنوا من وضع العود المطلوب مباشرة في مكانه بدون الوقوع في أخطاء كما حدث معهم من قبل.
وطرح المؤلف هذا السؤال:" كيف سيكون حالُ الإنسان وهو يحمل فكرة بسيطة جدا عن كيفية سير العالَم وإحساس بسيط بالروتين والمألوف ومنطقية الأشياء؟"
لا بد من خيال واسع جدا لدفع الإنسان نفسه إلى الوراء وإلى الموضع الذي كان فيه يعرف ما يعرفه هؤلاء الأطفال.القضية ليست عدم معرفة حقائق معينة بل العيش في عالم كالذي يعيش فيه الأطفالُ، عالم غريب وغير متوقع ولا علاقة بين أجزائه.( كل هذا نكونه مع التقدم في العمر)
أما الطفل الذي كان يراقبه المؤلف فقد بدت السعادة على وجهه وجسمه وهو يضع العود المناسب حتى إنّ المشاهدين اغرورقت أعينهم بالدموع من المشهد المؤثر.
وعندما أجرى الدكتور تجربة أخرى مستخدما بين العودين ذي ال9 سم عودا طوله 4 سم وآخر 5 سم لم يحتج الفتى إلا إلى محاولة واحدة فقط ليضع العود المناسب وكان الفتى أكثر هدوءا واكبر ثقة بنفسه. لقد عرف ما يفعل.
يقول المؤلف:" وعندها شعرت كما اشعر الآن بأنه مهما كان مقياسه في ال IQ وكيفما تجاوب مع الحياة كما جرّبها، فان هذا الفتى أثناء هذا الدرس لعب دورَ شخص ذا ذكاء عال وادي عملا عقليا عالي المستوى.وإذا فكرنا في بدايته وما وصل إليه والمساحة الرياضية- من رياضيات- التي غطاها في 40 دقيقة أو اقل، فلا نملك إلا أن نشعر بان هناك استعداد غير بسيط في داخل ذلك الفتى.
والمأساة في حياته هي انه من المحتمل ألا يجد نفسه مع شخص مثل الدكتور جاتنجو الذي يعرف كما يعرف قلة من المعلمين أن عمله هو ملامسة ذكاء طلابه ........"
وذكر انك لتلامس ذكاء هؤلاء الأطفال لا بد أن تعود إلى بدايات التعلم والفهم.كما ذكر أن الدكتور قدم درسا آخر في احترام هؤلاء الأطفال ولم يقدم أي نوع من الإحساس بالأسى لحالهم فقد كان معهم كمن يكون مع زملاء له يحاولون حل مشكلة عويصة.
وذكر المؤلفُ أنه لا يحاول بهذه القصة أن يقول إن الدكتور لو أمضى وقتا أكبر لجعلهم أكثر ذكاء ونجابة، بل ما يريد أن يوضحه هو أنهم أذكياء أصلا قبل عمل الدكتور.وما فعله الدكتور هو أنه وضع أمامهم عالما مصغرا يستطيع فيه الواحدُ منهم مزاولة الذكاء الذي يحمله أصلا . عالم يستطيع فيه الواحد منهم القيام بأشياء حقيقية ويرى الواحد منهم نتيجة ما قام به ،أأثمر أم لا.
"ليس مطلوبا منّا أن نجعل البشر أذكياء. لقد وُلدوا أذكياء. المطلوب هو أن نكف عن فعل ما يجعلهم أغبياء"
وهناك مقال مُترجم جيد نُشر في مجلة "المعرفة " السعودية ربيع الاول 1428 تحت عنوان "الطالب الذي كان ينام في الصف الثالث في الكرسي الثاني" ومقال في مجلة النيوزويك نقلته صحيفة الوطن السعودية عدد 15/9/2007 وعنوانه"ذكاء بعض الأطفال يخفق الآباء والمربون في اكتشافه"
وأختم باقتراح يساعد المعلم على التعامل مع طلابه:
• " والتأمل الذاتي ليس حصرا على طريقة مقاربتك التعليمية، بل هي طريقة حياة. فكلما زاد استطلاعك ازداد اكتشافك وكلما ازدادت استفساراتك ازداد وصولك إلى عوالم جديدة من الإمكانيات"
إن الشعور بالتحرر عند التخلص من قناعة يتمسك بها الإنسان سرعان ما يكون متبوعا بخوفه من أن يكون حبيسَ سجن وهذه الحالة تقود إلى الحنين إلى المعتقد المهجور والعودة إلى ما هو مألوف والطرق القديمة من التفكير لم تعد ذات معنى إلا أن القناعات الجديدة لم تتشكل بعد كي تأخذ مكانها وبذلك فأنت تظل معلقا في مخاض الشك وهذا الشك هو علامة التحول وانبثاق امكانات جديدة........."
" إن وجود سجل لأفكارك ومشاعرك وهمومك وأزماتك ونجاحاتك يوفر لك نافذة تطل منها على الماضي وعلى بوابة المستقبل.............."
الإدارة الصفية خلق مجتمع من المتعلمين/باربرا لاريفي ترجمة محمد أيوب
ما الذي حيره ؟ الذي حيره هو ان الطلاب هؤلاء جعلوه يتساءل عما إذا كان وجودهم في المدرسة هو الذي جعلهم أغبياء؟ يقول:" هل من الممكن انني وُظفت لا لأزيد من قدرات الاطفال بل لأنقصها؟وقد بدت هذه الفكرة مجنونة ولكني وببطئ بدأت أدرك ان الأجراس والحجز(يقصد في الفصول) وتسلسل الحصص المجنون والتمييز بين الطلاب وفقدان الخصوصية لدى الطالب والمراقبة المستمرة وكل ما تبقى من المنهج الوطني للمدرسة صُممت تماما كما لو ان شخصا يريد ان يمنع الطلابَ من التفكير والعمل وان يقودهم مخدوعين الى مسلك الادمان( ويقصد بالإدمان هنا إدمان الاستهلاك) والاعتماد على الاخرين"
ويذكر المؤلف انه بدأ رويدا رويدا بوضع تمارين تتيح للطلاب المادة الخام التي استخدمها الناسُ لتعليم انفسهم: الخصوصية والاختيار والتحرر من المراقبة واصبح يحاول نقلهم الى مواقع تُتاح لاحدهم فيها فرصة ان يعلم نفسه وان يكون هو الكتاب الذي يتعلم منه.
ثم يقول"التعليمُ لا يشبه فن الرسم حيث يتم اظهار الصورة باضافة مواد معينة بل أشبه بفن النحت حيث يتم تحرير الصورة المحبوسة في الصخر بحذف مواد معينة..." بمعنى آخر تخلى المؤلف عن كونه الخبير الذي لا بد ان يملأ رؤوس طلابه بحكمته واصبح يجتهد في إزالة ما يعيق عبقرية الاطفال من الظهور والتعبير عن نفسها.
ويذكر المؤلف بان النجاح يقتضي ان نسمح للطلاب بالوقوع في الخطأ والمحاولة ثانية والا فانهم لن يتمكنوا من قيادة انفسهم مع ان الواحد منهم قد يظهر لنا ذا كفاءة لانه يحفظ معلومات محددة ويقلد اداء غيره كما ان النجاحَ في رأيه يشمل تحد لفرضيات كثيرة مريحة لكثير من الناس عن ما الذي يستحق ان يتعلمه الطالب وما الذي يشكل حياة طيبة.
ذكرت في رسالتي الأولى ان المؤلف جعل من فصله معملا يكتشف فيه طلابه وما يعيقهم وما يطلق طاقاتهم وموضوع اكتشاف ومعرفة الطلاب موضوع مهم أرى أنّ على المعلم ان يقوم به ويهتم به وقد أعجبتني عدة اقوال في عدة كتب أود أن أنقلها وهي في موضوع معرفة الطلاب واكتشافهم من قبل المعلم وأبدأ بهذا الذي يحكي قصته:
• يقول ريتشارد وندرمان وهو من الذين صنفته مدرسته تحت عنوان "صعوبات تعلم" . والمهم أنه بعد المدرسة درس في الجامعة التصميم بالكمبيوتر ويرى أن تصنيفه تحت "صعوبات تعلم " أفاده كثيرا.كيف؟؟؟
أعطاه حجة يبرر بها عدم قدرته على تعلم القراءة والكتابة وبالتالي كان يحتجّ بذلك كلما تحدث أحدُ المحيطين به عن تأخره في القراءة والكتابة.
يقول:" لعل ما نسميه صعوبات تعلم هو في حقيقته ردّ فعل الطالب لطريقة التعليم السائدة في المدارس. لعل التعلم يكون أسهلَ لو لم نكن ننشد المثالية وسمحنا لأنفسنا بالتعلم بشكل طبيعي "
يقول:"لعل التعلم عملية طبيعية وليست قسرية...."
وقد لاحظ المتحدث أنه تعلم وأنجز الكثير منذ أن ترك المدرسة يقول:" وهذا دليل على الفكرة التي تقول بأن مشاكل التعلم نتيجة ردّ فعل أكثر من كونه اختلاف في الجهاز العصبي. لعل الوقوع في الأخطاء التي نتعلم تجنبها جزء رئيسي من عملية التعلم. ولعل ثقافتنا التي تحرص على تجنب الأخطاء ستضمحل.لماذا؟ لنقص الأفكار الجديدة وعدم القدرة على التكيف مع الجديد. لعل ما نسميه أسبابا عصبية لصعوبات التعلم هو تطور لخصائص جديدة في شريحة من بني الإنسان تتمردُ هذه الشريحة على التيار السائد لتحمي جزءا من الطبيعة الإنسانية التي يتم تدميرها ببطء وأعني تدمير الاستمتاع بالعلم والإبداع"
insult to intelligence by frank smith
ثم أنتقل إلى معلمة اسمها كارن جالاس وكتابها اترجم عنوانه:لغات التعلم، كيف يتكلم ويكتب ويرقص ويرسم ويغني الأطفالُ فهمهم للعالم.
تذكر كيف أصبحت تبدأ عامها الدراسي مع طلابها بلا أنماط مسبقة أو أحكام جاهزة او قواعد للتعامل مع طلابها ، تبدأ بنوع من الفوضى الذهنية :
• "والفوضى التي تدركها –المعلمة- تعكس حالتها الذهنية أكثر مما تعكس منطق أحداث الفصل
وهذا يشبه عملية الرؤية الواضحة وعقل المبتدئ حيث يدخل الشخصُ إلى تدفق الأحداث بحالة اللانظام والانفتاح بدلا من حالة النظام والروتين المألوفة بمعنى آخر ينظر المعلم إلى الفصل الدراسي بخياله وبدون تصورات مسبقة تَحدّ من قدرته على الفهم بدلا من توسيع هذه القدرة
بل إن المعلم عندما يسمح أحيانا لحدث غير مستقر أن يتطور ويتفتح بدون تدخل منه ويسمح للأطفال أن يتحدثوا عن قصصهم والمعاني التي تدور في أخلادهم، فانه يصل إلى فهم جديد"
The Languages of Learning by Karen Gallas
ونكمل المسيرة مع المؤلفة نفسها:
• لقد علمت الآن..............أنّ ما كنت احتاجه كطفلة في المدرسة هو معلمة كانت تود الاستماع إلى صوتي وأفكاري والكلمات التي كانت حاضرة ولكني لم انطقها. معلمة كانت ترغب في أن تعطيني الدعمَ والأمانَ وأن تتيحَ لي مساحة لصوتي ومعلمة كانت تطلب الاستماع إلى أفكاري بصوت مرتفع ومعلمة إذا طلبت مني التحدث بلا خوف ولا إصدار حكم فيّ، لثمنت صوتي فقط لأنه صوتي لا لأنه يحمل الاجابة الصحيحة"
Karen Gallas / The Languages of Learning
وهذا معلم آخر ألف كتابا لطيفا ترجمة عنوانه 36 طفل يقول:
• "كل طفل في كل عام جديد هو من ناحية الاستعداد أشياء كثيرة إلا أن الشهادة لا توثق إلا شيئا واحدا."
"أنا مقتنع بان على المعلم أن يكون مراقبا لفصلة بالإضافة لكونه عضوا في الفصل. لا بد من أن ينظر إلى الاطفال ويكتشف كيف يتواصل احدُهما بالآخر وبالبيئة المحيطة به أي الفصل ولا بد من وجود وقت كاف وأنشطة كافية ليتمكن المعلم من اكتشاف ما يفضله الطلابُ كبشر. وملاحظة الطلاب أثناء لعبهم ومشاغبتهم مصدر قيّم لمعرفتهم ،معرفة القادة والمجموعات والمخاوف والشجاعة والدفء والعزلة .إن المعلمين يعتبرون وقت الرياضة و فسحة الطلاب فسحة لهم-أي المعلمين- وبالتالي يديرون ظهورهم للأطفال عندما تكون الفرصة متاحة لتعلم الكثير عنهم"
"بدون تعلم مراقبة الاطفال وبالتالي معرفة شيء عن الذين سيعيش المعلمُ معهم 5 ساعات في اليوم ،فان المعلمَ يستخدم مع طلابه الروتين والأنماط المألوفة ليحمي نفسه. فالفصلُ ماصات مرتبة والوقت يُلاحظ بدقة والمادة تتلو المادة وكل هذا على حساب التنوع والإبداع الإنساني"
ويذكر المؤلف بان المعلم لا يعرف طلابه إلا في الفصل وهو-اي المعلم- هناك عنصر مهم، ولكن الطلاب بعد ذهاب المعلم يفضلون أمورا كبشر لا يفضلونها كطلاب.
36 Children by Herbert Kohl
وهذا جون هولت المعلم والمؤلف يقول كلاما قيّما:
يحكي جون هولت في كتابه الرائع(بالنسبة لي)"كيف يخفق الأطفال"أنه في عام 1959 شاهد رجلا هو د. جاتيجنوGattegno يقوم بتجربة مثيرة في مدرسة Lesley-Ellis . تمّ اختيار مجموعة طلاب مصابين بتخلف عقلي شديد تتراوح أعمارهم بين 15-16 سنة. استخدم معهم أعوادا خشبية لها ألوان معينة وأطوال محددة فكان مثلا يضع أمامهم عودين أزرقين طول الواحد منهما 9 سم ويضع بينهما عودا أخضر طوله 6 سم ويطلب منهم محاكاته ثم يطلب منهم أن يبحثوا عن العود الذي يملأ الفراغ المتبقي أي 3 سم. وكان المؤلف- أي جون هولت - يركز على أحد الطلاب فقط لأنه لفت انتباهه لسبب ما.وبعد محاولات عدة نجح الفتى في أداء ما طُلب منه.
ثم قام الدكتور بعد ذلك بإزالة العود الأخضر ( 6 سم) وأبقى الأعواد الأخرى وقلب الأعواد رأسا على عقِب وطلب منهم محاكاتِه ثم طلب منهم أن يبحثوا عن العود الذي يملأ الفراغ وهو نفس الذي أزاله.هل اختاروا الذي سقط لتوه مباشرة؟ لا. إنما بدؤوا رحلة المحاولة والتجربة إلى أن وجدوه ووضعوه.
ثم أسقط العود ذي ال3 سم ثانية وقلب الأعواد وطلب منهم ما طلبه أول مرة. ومرة أخرى وبعد تجارب ومحاولات وأخطاء فعلوا المطلوب.
أعاد الدكتورُ الأمرَ نفسَه عدة مرات إلى أن تمكنوا من وضع العود المطلوب مباشرة في مكانه بدون الوقوع في أخطاء كما حدث معهم من قبل.
وطرح المؤلف هذا السؤال:" كيف سيكون حالُ الإنسان وهو يحمل فكرة بسيطة جدا عن كيفية سير العالَم وإحساس بسيط بالروتين والمألوف ومنطقية الأشياء؟"
لا بد من خيال واسع جدا لدفع الإنسان نفسه إلى الوراء وإلى الموضع الذي كان فيه يعرف ما يعرفه هؤلاء الأطفال.القضية ليست عدم معرفة حقائق معينة بل العيش في عالم كالذي يعيش فيه الأطفالُ، عالم غريب وغير متوقع ولا علاقة بين أجزائه.( كل هذا نكونه مع التقدم في العمر)
أما الطفل الذي كان يراقبه المؤلف فقد بدت السعادة على وجهه وجسمه وهو يضع العود المناسب حتى إنّ المشاهدين اغرورقت أعينهم بالدموع من المشهد المؤثر.
وعندما أجرى الدكتور تجربة أخرى مستخدما بين العودين ذي ال9 سم عودا طوله 4 سم وآخر 5 سم لم يحتج الفتى إلا إلى محاولة واحدة فقط ليضع العود المناسب وكان الفتى أكثر هدوءا واكبر ثقة بنفسه. لقد عرف ما يفعل.
يقول المؤلف:" وعندها شعرت كما اشعر الآن بأنه مهما كان مقياسه في ال IQ وكيفما تجاوب مع الحياة كما جرّبها، فان هذا الفتى أثناء هذا الدرس لعب دورَ شخص ذا ذكاء عال وادي عملا عقليا عالي المستوى.وإذا فكرنا في بدايته وما وصل إليه والمساحة الرياضية- من رياضيات- التي غطاها في 40 دقيقة أو اقل، فلا نملك إلا أن نشعر بان هناك استعداد غير بسيط في داخل ذلك الفتى.
والمأساة في حياته هي انه من المحتمل ألا يجد نفسه مع شخص مثل الدكتور جاتنجو الذي يعرف كما يعرف قلة من المعلمين أن عمله هو ملامسة ذكاء طلابه ........"
وذكر انك لتلامس ذكاء هؤلاء الأطفال لا بد أن تعود إلى بدايات التعلم والفهم.كما ذكر أن الدكتور قدم درسا آخر في احترام هؤلاء الأطفال ولم يقدم أي نوع من الإحساس بالأسى لحالهم فقد كان معهم كمن يكون مع زملاء له يحاولون حل مشكلة عويصة.
وذكر المؤلفُ أنه لا يحاول بهذه القصة أن يقول إن الدكتور لو أمضى وقتا أكبر لجعلهم أكثر ذكاء ونجابة، بل ما يريد أن يوضحه هو أنهم أذكياء أصلا قبل عمل الدكتور.وما فعله الدكتور هو أنه وضع أمامهم عالما مصغرا يستطيع فيه الواحدُ منهم مزاولة الذكاء الذي يحمله أصلا . عالم يستطيع فيه الواحد منهم القيام بأشياء حقيقية ويرى الواحد منهم نتيجة ما قام به ،أأثمر أم لا.
"ليس مطلوبا منّا أن نجعل البشر أذكياء. لقد وُلدوا أذكياء. المطلوب هو أن نكف عن فعل ما يجعلهم أغبياء"
وهناك مقال مُترجم جيد نُشر في مجلة "المعرفة " السعودية ربيع الاول 1428 تحت عنوان "الطالب الذي كان ينام في الصف الثالث في الكرسي الثاني" ومقال في مجلة النيوزويك نقلته صحيفة الوطن السعودية عدد 15/9/2007 وعنوانه"ذكاء بعض الأطفال يخفق الآباء والمربون في اكتشافه"
وأختم باقتراح يساعد المعلم على التعامل مع طلابه:
• " والتأمل الذاتي ليس حصرا على طريقة مقاربتك التعليمية، بل هي طريقة حياة. فكلما زاد استطلاعك ازداد اكتشافك وكلما ازدادت استفساراتك ازداد وصولك إلى عوالم جديدة من الإمكانيات"
إن الشعور بالتحرر عند التخلص من قناعة يتمسك بها الإنسان سرعان ما يكون متبوعا بخوفه من أن يكون حبيسَ سجن وهذه الحالة تقود إلى الحنين إلى المعتقد المهجور والعودة إلى ما هو مألوف والطرق القديمة من التفكير لم تعد ذات معنى إلا أن القناعات الجديدة لم تتشكل بعد كي تأخذ مكانها وبذلك فأنت تظل معلقا في مخاض الشك وهذا الشك هو علامة التحول وانبثاق امكانات جديدة........."
" إن وجود سجل لأفكارك ومشاعرك وهمومك وأزماتك ونجاحاتك يوفر لك نافذة تطل منها على الماضي وعلى بوابة المستقبل.............."
الإدارة الصفية خلق مجتمع من المتعلمين/باربرا لاريفي ترجمة محمد أيوب