د.علي رضا
زارتني أحد الأمهات بالعيادة وعليها علامات التوتر والقلق! وبسؤالها ما بصغيرها الرضيع من سوء؛ أجابت بأن طفلها الرضيع يحاول منذ الشهر الأول لولادته مص إبهامه فتخاف أن يستمر في هذه العادة البشعة! واستطردت بدون أن أقاطعها بسؤال قائلة: إنني أتذكر طفولة إحدى أخواتي وكيف كانت أمي تحاول ربط يديها في الليل حتى لا تمص أختي إبهامها؛ حيث إنها كانت عادة دائمة لديها، تحاول ما سبق فلا تفلح في منعها، وتضع المواد المرة على إبهامها لمنعها في مص هذا الإبهام فلا تنجح، وتنزعج باستمرار موبخة إياها: "انزعي إصبعك من فمك".
ثم كانت تتكلم بانفعال وكأنها تتصور أختها أمامها صغيرة؛ فقاطعتها بسؤال بسيط حتى أشعرها بأنني مستمع جيد لشكواها وحتى أقلل من توترها وانفعالها قائلاً لها: وماذا عن أختك الآن؟ فردت علىّ بهدوء: إنها مهندسة ناجحة مع زوجها بألمانيا! فهدأت قليلاً ثم قلت لها: إن كنت تريدين أن تكملي قصة أختك مع مص إبهامها فلا مانع! فأخذت تسترسل مرة أخرى: لقد كان أبي يهزأ بها ويسخر منها، إنني أتذكر تماماً يا دكتور كم أصبحت أختي عصبية، وأصبحت أشد تعلقاً بإبهامها، فكانت تذهب إلى المدرسة وإصبعها في فمها، وكم أنها لازمتها هذه العادة وهي مص إبهامها حتى الثالثة عشرة من عمرها مما شوه أسنانها!
حقيقة يا دكتور إنني قلقة جدا على طفلي بخصوص مص إبهامه منذ الشهر الأول، ففضلت أن أستشير الطبيب المختص مبكراً..
انتهت الأم من سرد قصة ابنها ومشكلته، وليست هذه الأم هي الحالة الوحيدة، بل هذه المشكلة كثيراً ما نسمع مثلها من أمهات كثيرات لدى أولادهن نفس المشكلة، وهي مص الأصابع، وسنتناول هذه المشكلة بالتحليل وبشكل عام وليست إجابة على القصة السابقة الذكر بالذات، بل سردناها كمثال.
التحليل: سنحاول التعرف على الأسباب التي تدفع الطفل إلى مص إصبعه، ثم التعرف على أثر هذه العادة السيئة على نفسية الطفل، وإلى ما يجب أن تفعله الأم لتجنب طفلها ممارسة هذه العادة غير الممدوحة..
يولد الطفل وقدرته على المص بمهارة أهم ما يمتاز به لأن هذه القدرة تعينه على الحياة عن طريق مص ثدي أمه بمجرد وقوع فمه على حلمة الثدي، والأطفال بمراجعة ومعرفة أنماط النمو نراهم يختلفون في نوعية هذه القدرة، فمنهم من يمص الثدي بقوة وبسرعة، ومنهم من يمص على مهل وبفتور، ولذلك نرى بعضهم يبدؤون بمص الأصابع في الأيام الأولى بعد الولادة، والبعض الآخر لا يفعلون ذلك.
يخشى بعض الأهل تأصيل هذه العادة في الطفل، فيقدمون على استعمال ما يسمى "السكاتة أو اللهاية أو الحلمة" فيضعونها في فمه لإشباع غريزة المص عنده؛ معتقدين أن الطفل من السهل أن ينسى مص "اللهاية أو السكاتة" ولكن ليس من السهل عليه أن ينسى مص الإبهام، والحقيقة أنه ليس هناك فرق كبير بل استعمال المولود الصغير لـ"الحلمة أو السكاتة" البلاستيكية قد يعرضه للكثير من النزلات المعوية؛ حيث إنها قد تترك عرضه للذباب إن لم تقفل بغطائها المخصص لها، وقد وجد أيضاً أن استعمال مثل هذه اللهاية أو الحلمة تؤدي إلى كبر الشفاه العلوية للأطفال وتؤدي إلى بعض تشوهات في الأسنان الأمامية للأطفال..
فإذا كان طفلك يمص إصبعه وهو في الأشهر الأولى من حياته فماذا تفعلين؟
دعي الطفل يمص من ثديك وقتاً أطول حتى يشبع حاجته للمص لإشباع هذه الغريزة؛ فهو كما يشعر بالجوع عند حاجته للأكل كذلك يشعر بحاجته إلى المص كي يشبع هذه الغريزة، ومن الملحوظ أن كثيرا من الأطفال يشبعون حاجتهم من الجوع بسرعة قبل أن يشبعوا حاجتهم للمص؛ لذلك يجب ترك الطفل بعض الوقت لإشباع حاجته من مص الثدي حتى لا يلجأ إلى مص إصبعه.
إذا كانت رضاعة الطفل رضاعة صناعية أي يستخدم القنينة أو الرضاعة فلا تجعلي ثقبها واسعاً؛ حتى يشبع حاجته للمص مع إشباع حاجته للأكل.
ولكن إذا استمر طفلك يمص إصبعه بعد السنة الأولى فالأحسن أن تحتوي طفلك بالحنان والدفء، ويجب عليك عزيزتي الأم ألا تعنفيه إذا ما وجدت طفلك يمص أصابعه، بل عليك أن تشغليه بشيء آخر يعتمد فيه على يده أو كلتا يديه، فينسى هذا الموضوع، أو أن تحضري قليلاً من الغذاء الذي يرغبه لإعطائه إياه فينشغل بشيء غير هذا المص.. وهكذا تستطيعين بذكائك وحكمتك وكياستك أن تبعدي طفلك عن هذه العادة، وأن تجعليه ينسى مص الإصبع، أما إذا جعلت من الأمر قضية وموضوعاً ذا شأن؛ تملك العناد صغيرك الغالي وأقبل على مص الإصبع بعنف وتملكته رغبة جامحة لهذا حتى يثبت وجوده..
وقد يكون مص الإصبع هذا تعبيراً للأسرة أن هذا الطفل يواجه بعض الصعاب، وأن هناك بعض الشدائد التي يجابهها وحده؛ فلا تتركيه بمفرده، وإنما اغمريه بحنانك وعطفك، ومن هذه الصعاب والشدائد على سبيل المثال قدوم طفل جديد ومولود صغير للأسرة، أو شعوره بقرب قدومه فالأم حامل ويسأل الطفل الأم: ما هذا؟ مشيراً إلى بطنها الكبيرة؛ فتقول له: إنه بيبي صغير مثلك فيتملكه شعور بغيرة داخلية فيقدم على مص الإبهام وغيرها من العادات السيئة، ولكن واجب الأم في هذا أن تجيب على سؤاله بذكاء فتقول له: إنه أخوك الصغير فستلعبون معاً، وأنه يحبك؛ فعليك عند قدومه أن تقبله وبعد ذلك تحيطه بمزيد من العطف والحنان اللذين يبعدانه عن كل عادة سيئة..
وأريد أن أطمئنك أن الأسنان لا تتأثر ولا تتشوه نتيجة امتصاص الطفل لإبهامه؛ إلا إذا استمرت هذه العادة مع الطفل لفترة طويلة قد تمتد إلى سنوات؛ لذلك كلنا أمل ورجاء أن تأخذ الأم بيد طفلها حتى يقلع عن هذه العادة السيئة مبكراً، وذلك بالنصح المغلق بالدفء والحنان وبعيداً عن التوبيخ المستمر والتعنيف الشديد الذي يلاقيه الطفل من الأم الصارمة والعنيفة، والذي لن يولد إلا عناداً وضرراً لدى طفلها، فكلي أمل مرة أخرى أن تمر هذه المشكلة كسحابة صيف، وأن يقلع طفلنا العزيز عن هذه العادة السيئة.