من الحياة- خالتي فرنسا
كلنا هائمون بفرنسا حتى الثمالة، بل مفتونون بها، رئيسا وحكومة وشعبا، وطبيعة خلابة، وموسيقى ونساء فاتنات ، وبما تنتجه من عطور وألبسة تضرب بها الامثال ، ونهيم ببرج ايفيل، وبالحي اللاتيني، ومتحف اللوفر، وبسحر مدينة الاناقة والانوار باريس، ويصل الامر الى حد الهيام شوقا وغراما ببلاد الحريات والديمقراطية، واذ قلت لاحد انك زرت فرنسا واقمت فيها بعضا من الزمن، يحدق فيك باعجاب كبير ، وتقتله الرغبة لاحتضانك ليشم فيك رائحة عطرها الفتان ، وافكر ما كان سيفعل الشاعرالماجن ابو نواس لو انه عاش ليرى فرنسا وما فيها .
هذا الاعجاب بــ " خالتي فرنسا " يقفز عن المواقف الفرنسية تجاه اسرائيل، بحكم انه يأتي في سياق السياسة الخارجية للدولة الفرنسية وحقها في بناء علاقاتها مع من تريد من الدول دونما قيد او شرط، وحريتها في دعم ومساندة من تريد، وكل ما يهمنا هو ان سياستها تدعم او لا تدعم الحق الفلسطيني، والحقيقة ان فرنسا كانت دوما داعمة لحقوقنا، لكن هذا الموقف لا يجعل وزير خارجيتها الذي التقيته شخصيا في اول زيارة له لرام الله ولقاءه بالرئيس ابو مازن، واجريت معه حديثا متلفزا، لا يجعله يدلي بتصريحات تثير الجدل والتساؤلات ، لتصبح في حاجة الى توضيحات .
التوضيح الاول حول ما قصده السيد الوزير بالقول : " ان الفلسطينيين يتحملون مسؤولية ما يجري في قطاع غزة "، فأي الفلسطينيين يتحملون المسؤولية ، هل هم فلسطينيو حماس، ام فلسطينيية الرئيس محمود عباس ، ام فلسطينيو الخارج والشتات، علما ان الغالبية العظمى من عادتهم الا يعيروا السياسة وتعقيداتها ومعاركها أي اهتمام ، وهؤلاء يمثلون الاغلبية المهمشة التي لا يسمعها احد ولا يهتم بها احد، ولا يصلها أي دعم دولي، لا فرنسي ولا سريلانكي .
التوضيح الثاني ماذا يعني بقوله : " اذا كان ابو مازن لا يتحدث مع حماس، وهذه الاخيرة ترفض الحوار، والجامعة العربية قررت ان تدعم بقاء ابو مازن على رأس السلطة، فان الوضع لا يساعد كثيرا "، وما المقصود بانه لا يساعد كثيرا او قليلا، وعلى ماذا يساعد او لا يساعد وهل يعني هذا تحميل المسؤولية عما حصل للرئيس، ومحاولة للانتقال بالحوار الاوروبي مع حماس من قنوات سرية غير رسمية ، الى علنية رسمية .
التوضيح الثالث ما القصد مما تضمنته الوثيقة التي اعدتها الخارجية الفرنسية لعرضها على اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي، وتقول الوثيقة فيما تقول ، بعد التأكيد على ضرورة ضمان امن اسرائيل ، وارسال قوات عسكرية ومدنيين اجانب الى الضفة الغربية للاشراف على ترتيبات الامن ، وان تكون القدس عاصمة للدولتين، واستمرار التدخل الاميركي في المفاوضات، والاستعداد الاوروبي لتعويض اللاجئين، وهنا نقف عند بيت القصيد في الوثيقة، هل يعني ذلك استبدال حق العودة بالتعويض، بالحديث عن " حل واقعي وعادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين واستعداد اوروبا لانشاء منظومة دولية لتعويض اللاجئين وتحسين اوضاعهم بالتنسيق مع اسرائيل، الا يستدعي كل ذلك توضيحا .
التوضيح الرابع والاخير، لماذا التقليل من تقرير الامم المتحدة ومنظمات الاغاثة الدولية بشأن وقوع كارثة انسانية في القطاع، والقول ان مثل هذه التحذيرات تصدر عن هذه المؤسسات الاممية منذ سنتين بينما المساعدات الانسانية الاوروبية للفلسطينيين لم تتوقف وتمثل نحو 60 % من حجم المساعدات الدولية، أليس الحصار الاسرائيلي واغلاق المعابر بغض النظر عن التهريب الذي ترعاه حماس عبر الانفاق والفقر المستشري بين الناس- يجلب المزيد من الكوارث الواحدة تلو الاخرى على اهل القطاع، وقبل أن نتخذ موقفا غاضبا من " خالتي فرنسا "، فاننا نرجو ان تكون تصريحات الوزير كوشنير لصحيفة الصباح التونسية وما نشر عن الوثيقة في وسائل اعلامية اخرى، قد نقلت خطأ، او لعلنا اخطأنا نحن في قراءته، وفي الحالتين لا يؤثر على عشقنا للصديقة فرنسا ..!!