من الحياة- اقتصادنا السوبر
تردد بين الناس مؤخرا حديث غير موثوق عن احتمال انخفاض الاسعار، ففرح المواطنون واقاموا حفلات الرقص والغناء في الشوارع والازقة حتى بلغت القلوب الحناجر، لكن الفرحة لم تكتمل فقد خرج عليهم من يقول : الا في فلسطين، فان الاسعار لن يمسها هبوط وستبقى مرتفعة الى يوم يبعثون، فاننا نعيش في عالم آخر، فقد انخفضت السلع الاساسية بشكل لافت في العالم، لكنها هنا ظلت كما هي، ورغم ان اسعار اعلاف الحيوانات انخفضت الا ان اسعار اللحوم عندنا ارتفعت، وانخفض سعر القمح فزادت اسعار الخبز، وانخفض سعر حديد البناء وبقيت نفقات الاعمار كما هي لدينا، باختصار فان شيئا لم يتغير الا الوقود فقد انخفض مرتين، والثالثة على الطريق ربما اليوم او غدا، ومع ذلك ارتفعت اسعار المواصلات ولم تنخفض، واصبح الجمهور مقتنعا بان ما ارتفع في الماضي لن ينخفض في المستقبل.
بالنسبة للفوائد البنكية في الدول الاخرى ومنها جارتنا اسرائيل، فقد انخفضت الى حد كبير، وسبب الانخفاض في انها ضخت قبل ايام احد عشر مليار شيكل في سوق المال، بينما اقدم البنك المركزي على تخفيض الفائدة المصرفية الى ادنى مستوى منذ قيام اسرائيل قبل ستين عاما وذلك للحد من تأثيرات الازمة المالية العالمية، وفي الاردن خفض البنك المركزي الفائدة نصف نقطة مئوية في اول تحرك له منذ شباط الماضي لدعم النمو، اما في فلسطين فقد ابقت البنوك على ارتفاع نسبة الفوائد، وكأن شيئا لم يحدث مع ان القروض والتسهيلات المالية قد تراجعت في كل انحاء العالم الا في فلسطين، ولا نفهم الاسباب.
احد الادلة العملية على تأثر الحركة المالية في بلادنا ان مؤشر سوق فلسطين للاوراق المالية يشهد هبوطا حادا يوما بعد يوم، ونظريا ازدهرت الاستثمارات المحلية مثلما حصل في مؤتمر الاستثمار في نابلس وفي جنين بشمال الضفة وقبل ذلك مؤتمر بيت لحم وما سمعناه عن اقرار عشرات المشاريع التنموية والاستثمارية والعمرانية الفورية والخمسية والعشرية، وكيف ان مليارات الدولارات قد تم ضخها في مشاريع لا تزال مدفونة في باطن الارض وتحتاج من خمس الى عشر سنوات لتنمو وتطرح ثمارها.
ما نفهمه ان الولايات المتحدة انفقت لمواجهة الازمة اكثر من نصف الناتج العام للبلاد، اي ما يعادل 7 تريليون دولار لمساعدة المصارف المتعثرة والشركات المترنحة على الصمود في وجه الازمة، ومع ذلك فلا تزال التداعيات تنذر بتفاقم الكارثة فالبنوك التجارية تقترض من البنوك المركزية، والمركزية تضخ المليارات في الاسواق بعدما جفت السيولة التي كانت سبب الازمة، وسدت ابواب القروض والتسهيلات البنكية في وجوه الناس، وبات الاقتصاد العالمي يتأرجح ما بين الارتفاع والهبوط واصبحت عشرات الشركات العملاقة التي لم نتخيل يوما انها قد تتأثر مهددة بالافلاس والاغلاق وتسريح آلاف العاملين.
الى هنا يبدو الامر طبيعيا، فالولايات المتحدة تمتلك اكبر واقوى اقتصاد في العالم ومضى عليها زمن كانت فيه الاولى في العالم تنفق على الدول وترعى شؤونها وتسير سياساتها الداخلية و الخارجية وتحد علاقاتها وتتحكم في مصائرها، ومع ذلك فقد اصابها ما اصابها من انتكاسة مالية مزلزلة، فكيف بالاقتصاد الفلسطيني السوبر المعروف شعبيا باقتصاد التمويل الاجنبي والمساعدات لا تهتز له قناة امام الكارثة، ويقال انه ثابت ومتين وربما يستفيد من خفض الفائدة على الشيكل الاسرائيلي والدينار الاردني، حسب قول المسؤولين والخبراء فهل يمكن لمفككي الالغاز وخبراء الاقتصاد والتنمية تفسير هذا اللغز حتى نتصرف. . !!