وداعا عايد عمرو..!!
واحسراتاه على الراحل عايد عمرو، فقد اضحت الشرفة بلا ذئب، بل اصبح الذئب بلا شرفة، فقد مات بصمت ذلك الرجل الذي كنا نفتقده كلما غاب يوما أو يومين في مهمة ما، ورحل تاركا فينا حسرة وألما عميقين، وحبا كالجرح لا يندمل، وسنذكرك كلما اشرق صباح، وكلما استيقظ يوم آخر من أيام عمرنا.
تختلط مشاعري وتنهشني الحسرة، فقد مات عايد عمرو في ساعة مبكرة في عمر مبكر، في ريعان شيخوخة قلبه، الذي لم يتحمل تداعيات ما اصاب الوطن، فرحل دونما استئذان، ومات رغما عنا وعن ارادته او ربما بمحضها، فقد نقل عنه انه قال قبل اسبوع من وفاته انه لن يكمل الخمسين ربيعا أو خريفا، فمات عن تسعة واربعين عاما فقط، ونحن في بلادنا لا تحتسب اعمارنا كما في الاماكن الاخرى، بالربيع، وانما بالخريف، الشهر الأكثر حزنا وألما، فالأجدر بنا القول : ثلاثون، أو اربعون، أو خمسون خريفا.
لا انكر انني حزنت كثيرا على فراقه وسأبقى كذلك لفترة طويلة، فقد كان رحمه الله، يجمع كل الصفات، كان دمثا، وطيبا، نزقا، ودودا، صريحا، مشاكسا، ، مبتسما مرحا، عصبيا غاضبا يقف ضد الخطأ من أي كان، وربما اشتبك مع الجميع واشتبكوا معه، ولكن احدا منهم لم يستطع التملص من حبه له، فقد كان صديقا للجميع.
لم استطع البكاء، وفقط، تألمت وشعرت بالحزن ينهش اعماقي فلم اذرف الدموع بل بكيت بشرايين قلبي، وحاولت استعادة القدرة على استيعاب حادثة الوفاة أو الموت، فلم استطع، هكذا هو ملك الموت، دائما يداهمنا دون تنسيق أو استئذان، الا بعد ان يسترد وديعته، فنقف عاجزين امامه لا نقوى على فعل شيء، انه جبروت الموت الذي لا يرحم احدا، وسطوته التي لا تواجه.
في باحة المستشفى حيث كان يسجى جثمانه في غرفة باردة يلفها الصقيع، سألت : من الذي مات، هل هو عايد عمرو، أم هو الذئب صاحب الشرفة ؟ فرد احدهم : بل هو الذئب، فعايد المثقف النابغة صاحب النهفات والطرف الجميلة، لا يموت، فلا يجوز لأحد بمثل صفاته ان يموت بصمت بينما هو نائم، فلعل في ذلك عبرة لنا لئلا ننام حتى لا نموت. وقال آخر : وما الفرق، فكلاهما واحد ؟
قلت : فثمة فرق، فالذي سيدفن في آخر الدنيا بعيدا عن الوطن بعد اجراء التشريح هو عايد عمرو، وهو نفسه الذي عاد ذات يوم الى الوطن مهرولا يسابق حتفه، وشيئا فشيئا تقمصته حالة الذئبية، وربما لذلك علاقة بتدهور احوال الوطن الذي حلم به عايد اثناء خدمته العسكرية في قوات بدر، ولما عاد ووجد الأحوال على ما هي عليه قرر ان يصبح ذئبا، فطفق يعوي كلما رأى خطأ أو تجاوزا أو خروجا عن المألوف، وظل هكذا الى ان وافته المنية ممددا على سرير المرض وليس جالسا على جاعد مثلما كان يحلو له ان يكون، فعاجلته في غفلة منه ومنا ذبحة صدرية أودت به.
الذي مات هو الكاتب المبهر وصاحب القلم المثقف والمشاكس، وسفيرنا فوق العادة الى العالم، عايد عمرو، رحمه الله واسكنه فسيح جناته، مع الشهداء والأبرار، واذا كان لأحد فضل في ترابط المثقفين العرب بالفلسطينيين عن بعد، فانه يعود لهذه الرجل الجسور المثقف الواعي، فوداعا ايها الصديق الذي لن اصدق انه مات، فستبقى صفاتك الحميدة واعمالك الادبية والثقافية وعوائياتك، دليلا لنا لممارسة الحياة بين الأموات الى ان نلتقي في المثوى الأخير..!!